الظروف والأحلام
نظرتنا للظروف: عائق أم دافع للنجاح؟
يشتكي الكثيرُ مِنَّا الظروفَ على أنَّها كانتْ سُدودًا مَنيعَةً حالتْ بَيْنَهم وبَيْنَ تحقيقِ أَحلامِهِم وطموحاتِهم، لكنْ إذا نظرْنا إلى القِلَّةِ القليلَةِ الناجحةِ في المجتمعِ وجدْنا أنَّ الكثيرَ منهُم واجهَ ظروفا صعبةً كانت أقسى من ظروفِ أغلَبِ هؤلاءِ المُشْتَكِين، لكِنَّهُم قاوَمُوها بإِصْرارٍ وثباتٍ والتزامٍ فنَجحوا أخيرًا.
فطريقُ النجاحِ ليس مفروشا بالورودِ بل هو طريقٌ وَعِرٌ موحشٌ قليلُ السَّالِكِين لا يسْلُكُهُ إلا ذَوُو الهِمَمِ العالِيَّةِ وأصحابُ العزائِمِ القوية، أما الظُّروفُ فتختلفُ باختِلافِ نظراتِنا إليها، مَثَلُها كَمَثَلِ الكوبِ الممتلئِ نصفُه، ، هناك من ينظرُ إلى أسفلِ الكوب، وهناك من ينظر إلى أعلاه؛ فالأول يعتقد أن الكوب ممتلئ تماما، والآخرُ يظنه فارغًا، فهو ممتلئ أو فارغ حسَب زاوِيةِ رؤيتِنا و بناءً على حُكمِنا نحن، فالكوبُ هو نفسُه، لكن تختلفُ الأحكام باختلاف زوايا النظر، كذلك الظروف؛ هناك مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْها وهو يَبحثُ عَنِ الأعذارِ لتَبْريرِ فشلِه وتخاذلِه، وهناك من ينظر إليها باحثا عن طوق نجاةٍ أو بصيص أملٍ يتشبث بهِ علَّهُ يُفلتُ من براثن الضَّياع، هناك من يراها حواجزُ وحدودٌ لا حيلةَ لهُ ولا قدرةَ على اجتيازِها مستسلما ومتوهمًا أن ذاكَ هو قدَرُهُ المحتوم، وهناك من يراها اختباراتٍ لمدى إصرارِهِ على بلوغِ النجاحِ ودروسًا يَستَخلِصُ منها العِبر.
ويزخر تاريخُ الحياةِ البَشَرِيَّةِ بالقِصصِ التي تُؤَكِّدُ أنّ الظروفَ مهما بَدَت سَيِّئَةً يجِبُ أَلَّا نتَّخِذَها ذَرائِعَ لِتَبريرِ تَقاعُسِنا وَكَسَلِنا، وشَمَّاعاتٍ نُعَلِّقُ عليها فَشَلَنا وإِخْفاقاتِنا، ومن هذه القصص:
قِصَّةُ شابَّيْنِ توأَمَيْن:
حيث يُحكَى أنَّ رَجُلًا سِكِّيرًا مدمنا قَلَّما يَصْحُو من سُكْرِه، كان له وَلَدانِ تَوأمان.
أما أحدُهُما فقد كان لا يشرَبُ الخمرَ ولا يقرَبُها.
أما الآخَرُ كان لا يكادُ يصحو.
فلما سُئلا عنِ السبب. كان جواباهما مُتَطَابِقَيْنِ؛ أبوهما كان سِكِّيرَا.
فالأول نظر إلى حالِ أبيهِ المؤسفةِ فاتَّعَظَ وأَخَذَ العِبْرَة. أما الثاني، فقدِ اقْتَفَى أَثَرَ أبيهِ دون تفكير ولا رَوِيَّة، مُوهِمًا نفسَهُ أنه ضحيةُ ظروفٍ لا جدوى من مقاومتها. فالأول استخدم عقله، والثاني كان مقلدا أعمى. فصدَق عليه قول الله تعالى «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ».
الإرادة والإصرار: مفتاح تجاوز الظروف وتحقيق النجاح
ليستِ الظروف ما يتحكمُ في مصائرِنا، ويصنعُ واقعَنا ومستقبلَنا، ولكنْ نظْرَتُنا إليها، ورَدّةُ فِعلِنا إزاءَها؛ فَرَغْبَتُنَا وإِرَادَتُنَا وإِصْرَارُنَا كُلُّ هذا ينبُعُ من ذاتِنا.
فإصرارُ المرءِ على النجاحِ يُطَوِّعُ له الظروفَ ويُحَوِّلُ العراقيلَ والحواجزَ إلى جُسورٍ وَسَلالِمَ يَتَسلّقُها لبلوغِ أَهدافِهِ وتحقيقِ غاياتِه، لكنْ غيابُ الإصرارِ والرغبةِ يجعلُ من كلِّ قَشَّةٍ في الطريقِ حاجزًا وسدًّا منيعًا وبالتالي مبررا للفشلِ والاستسلام.
أقوال مأثورة
يقول خليل مطران:
إِعْزِمْ وَكُدَّ فَإِنْ مَضَيْتَ فَلا تَقِفْ واصْبِرْ وَثَابِرْ فالنَّجاحُ مُحَقَّقُ
ليس المُوَفَّقُ مَنْ تُوَاتِيهِ المُنى لَكِنْ مَنْ رُزِقَ الثَّباتَ مُوفَّقُ
يقول الشافِعي:
بِقَدْرِ الكَدِّ تَكْتَسِبُ المَعالِي وَمَن طَلَبَ العُلا سَهَرَ الليالي
وَمَنْ طَلَبَ العُلا بِغَيْرِ كَدٍّ َضاعَ العُمْرَ في طَلَبِ المُحالِ
.يقول ابن هانئ الأندلسي:
وَلَمْ أَجِدِ الإنسانَ إلاّ بْنُ سَعْيِهِ فَمَنْ كان أَسْعَى كان بِالْمَجْدِ أَجْدَرا
وبالهِمَّةِ العَلْياءِ يَرْقَى إلى العُلَى فَمَنْ كان أَرْقى هِمَّةً كان أَظْهَرَا
يقول أحمد شوقي:
وَمَا نَيْلُ المَطالِبِ بالتَّمَنِّي ولَكِنْ تُؤْخَذُ الدُّنْيا غِلابَا
ختاما
تذكَّر أنَّ سعْيَكَ وعمَلَكَ واجتهادَكَ لن يذْهَبَ سُدًى، فلا تستسلم أبدا واصبِر وثابِر واحتسبْ، لم يفُتِ الأوانُ بعد،
تقول الحِكمَة:
أفضلُ وقتٍ لغَرْسِ شجرةٍ كان قبْلَ عشرينَ عاما وثاني أفضل وقتٍ هو الآن.
فتوكل على الله، وعليهِ قَصْدُ السبيل.
تعليقات
إرسال تعليق