مِيلاَدُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم: أَحْدَاثٌ وَإِرْهَاصَات
البِشَارَاتُ النَّبَوِيَّةُ فِي الكُتُبِ السَّمَاوِيَّة
أَشَارَ القُرْآنُ الكَرِيمُ إِلَى أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ (اليَهُودُ وَالنَّصَارَى) كَانُوا يَتَرَقَّبُونَ بِعْثَةَ نَبِيٍّ فِي آخِرِ الزَّمَان. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ البَقَرَةِ
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
وَالمُرَادُ أَنَّ يَهُودَ المَدِينَةِ كَانُوا يَتَّكِئُونَ عَلَى نُبُوءَاتٍ عَنْ نَبِيٍّ مُنْتَظَرٍ لِيَسْتَظْهِرُوا بِهِ عَلَى خُصُومِهِمْ
كَمَا بَشَّرَ عِيسَى بنُ مَريَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَجِيءِ نَبِيٍّ بَعْدَهُ اسْمُهُ أَحْمَد، قَالَ تَعَالَى
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ النُّبُوءَاتُ إِشَارَةً إِلَى طُلُوعِ نُورٍ يَهْدِي البَشَرِيَّةَ إِلَى الحَقِّ
نَذْرُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَوِلاَدَةُ عَبْدِ اللَّهِ
تَمَثَّلَتْ قِصَّةُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -جَدِّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم- فِي أَخْذِهِ عَهْدًا عَلَى نَفْسِهِ إِنْ رُزِقَ عَشَرَةَ أَبْنَاءٍ أَنْ يَذْبَحَ وَاحِدًا مِنْهُمْ قُرْبَانًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَمَا بَلَغَ أَبْنَاؤُهُ العَشَرَة، أَقَامَ قُرْعَةً لِاخْتِيَارِ الابنِ المَقْدُورِ لِلتَّضْحِيَة، فَوَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَبُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم. لَكِنَّ قُرَيْشًا تَدَخَّلَتْ بِحِكْمَةٍ لِإِنْقَاذِ حَيَاتِه، فَافْتَدَتْهُ بِمِئَةِ نَاقَة، وَصَارَتْ هَذِهِ الفِدْيَةُ سُنَّةً مُتَّبَعَةً فِي التُّرَاثِ العَرَبِيِّ، يُحْتَذَى بِهَا فِي تَخْلِيصِ الأَنْفُسِ مِنَ الهَلَاكِ. وَرَاءَ هَذِهِ الحَادِثَةِ كَانَ تَدْبِيرٌ إِلَهِيٌّ عَمِيقٌ؛ لِضَمَانِ بَقَاءِ عَبْدِ اللَّهِ حَيًّا، وَأَنْ يَكُونَ هُوَ الشَّخْصَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِين، فِي إِشَارَةٍ إِلَى أَنَّ مُسَطِّرَ القَدَرِ كَانَ يُسَطِّرُ حِفْظَ نَسْلِ النُّبُوَّةِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ بِعُقُودٍ
هَكَذَا تَجَسَّدَتْ إِرَادَةُ اللَّهِ فِي صِيَانَةِ سُلَالَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، مُؤَكِّدَةً أَنَّ تَارِيخَ البِعْثَةِ المُحَمَّدِيَّةِ لَمْ يَكُنْ صُدْفَة، بَلْ مَسَارًا مُقَدَّرًا بِحِكْمَةٍ إِلَهِيَّةٍ غَيرِ مَحدودَة
زَوَاجُ عَبْدِ اللَّهِ بِآمِنَة
كَانَ زَوَاجُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهَبٍ -التي تَنْتَمِي إِلَى أُسْرَةٍ عَرِيقَةٍ وَمُرْتَبِطَةٍ بِصَمِيمِ نُخْبَةِ قُرَيْش- جُزْءًا مِنَ الخُطَّةِ الإِلَهِيةِ الَّتِي قُدِّرَتْ لِتَكُونَ أُمًّا لآخِرِ الأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم. وَقَدْ تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ فَجْأَةً فِي مَدِينَةِ يَثْرِب (الَّتِي سَتُسَمَّى لَاحِقًا بِالمَدِينَةِ المُنَوَّرَة) خِلَالَ رِحْلَتِهِ التِّجَارِيَّة، تارِكًا وَرَاءَهُ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ بِوَلَدِهِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَصِيرُ خَاتَمَ المُرْسَلِين. فَلَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَتِيمَ الأَب، كَانَ ذَلِكَ إِيذَانًا بِبَدْءِ الرِّعَايَةِ الإِلَهِيةِ الفَذَّةِ الَّتِي احْتَضَنَتْهُ مُنْذُ نُطْفَتِهِ الأُولى، لِتُؤَكِّدَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْكَفِيلَةُ بِصُنْعِ مَسَارِ التَّارِيخِ وَحِفْظِ مُنْقِذِ البَشَرِيَّة
حَادِثَةُ الفِيل: إِعْلاَنٌ إِلَهِي
فِي العَامِ الَّذِي شَهِدَ مِيلَادَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ( 570 ميلادي)، تَصَدَّرَ حَادِثٌ جَلَلٌ مَشَاهِدَ التَّارِيخ؛ حَيْثُ شَنَّ أَبْرَهَةُ الحَبَشِي، حَاكِمُ اليَمَن، هُجُومًا عَسْكَرِيًّا عَلَى مَكَّةَ بِجَيْشٍ جَرَّارٍ مَدْعُومٍ بِالفِيَلَة، مُحَاوِلًا تَدْمِيرَ الكَعْبَةِ لِيَصْرِفَ النَّاسَ عَنْهَا إِلَى كَنِيسَةٍ بَنَاهَا. فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى جَيْشِهِ أَسْرَابًا مِنْ طَيْرِ الأَبَابِيلِ، حَمَلَ كُلُّ طَائِرٍ فِيهَا حَجَرًا مِنْ "سِجِّيل" (طِينٍ مُحْمًى بِنَارِ العَذَاب)، فَأَمْطَرَتْهُمْ بِهَا حَتَّى أَهْلَكَتْهُمْ وَجَعَلَتْهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول، كَمَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الفِيل
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ
لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المُعْجِزَةُ الإِلَهِيةُ مُجَرَّدَ دِفَاعٍ عَنِ البَيْتِ الحَرَامِ، بَلْ كَانَتْ إِشَارَةً إلَاهِيةً إِلَى قُدُومِ مَنْ سَيُكْرِمُ هَذَا البَيْتَ وَيَرْفَعُ مَقَامَهُ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّعْظِيمِ، وَهُوَ النَّبِيُّ الخَاتَمُ الَّذِي وُلِدَ فِي ذَلِكَ العَامِ نَفْسِه. فَكَأَنَّ الحَادِثَةَ كَانَتْ تَوطِئَةً إِلَهِيَّةً لِإِعْلَانِ بَدْءِ عَصْرٍ جَدِيد، يَتَجَلَّى فِيهِ سُلْطَانُ القُدْرَةِ الرَّبَّانِيَّةِ فِي حِفْظِ مَا يَخُصُّ شَرِيعَةَ التَّوحِيد، وَإِثْبَاتِ أَنَّ الكَعْبَةَ سَتَظَلُّ قَلْبَ العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ وَمِحْوَرَهُ الرُّوحِيِّ بَعْدَ بِعْثَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم
فَكَمَا أَنَّ التَّدَخُّلَ الإِلَهِيَّ حَفِظَ الكَعْبَةَ مِنَ الهَدْمِ، حَفِظَ أَيْضًا سُلَالَةَ النُّبُوَّةِ بِوِلَادَةِ مُحَمَّدٍ يَتِيمًا، لِيَكُونَ تَعْظِيمُ البَيْتِ وَإِعْلَاءُ شَأْنِهِ جُزْءًا مِنْ رِسَالَتِهِ الخَالِدَةِ
الوِلاَدَةُ المُبَارَكَة
وَفِي فَجْرِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ المُوَافِقِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ عَامَ الْفِيلِ (570 ميلادي)، وَفِي أَطْهَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، وُلِدَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله وسلم وِلَادَةً مُبَارَكَةً زَهَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَات. وَقَدِ اخْتَارَ لَهُ جَدُّهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ اسْمَ "مُحَمَّد"؛ اسْمًا غَيْرَ مَأْلُوفٍ فِي عَصْرِه، لِيَكُونَ نُذُرًا بِمَا سَيَحْمِلُهُ مِنْ مَعَانِيَ الحَمْدِ وَالثَّنَاءِ العَالَمِي، فَكَأَنَّ الِاسْمَ كَانَ بُشْرَى بِدَوْرِهِ التَّارِيخِيِّ فِي حَمْدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ عَلَى نِطَاقِ البَشَرِيَّةِ كُلِّهَا
لَمْ يَكُنِ اسْمُ "مُحَمَّد" مُجَرَّدَ تَسْمِيَةٍ عَابِرَة، بَلْ كَانَ تَشْخِيصًا لِصِفَةٍ إِلَهِيَّةٍ سَيُضْفِيهَا اللَّهُ عَلَى حَبِيبِه؛ فَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ سَبَبِ اخْتِيَارِهِ هَذَا الِاسْم، أَجَاب: "لِأَنِّي أَرْجُو أَنْ يَحْمَدَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ وَأَهْلُ السَّمَاء". وَهَكَذَا كَان. فَاسْمُهُ صلى اللَّه عليه وآله وسلم انْطَوَى عَلَى دَلَالَةٍ نَبَوِيَّةٍ تُعْلِنُ أَنَّ صَاحِبَهُ سَيَكُونُ مَوْضِعَ التَّكْرِيمِ الإِلَهِيِّ وَمَحَطَّ أَنْظَارِ الْخَلْق
جَمَعَتْ وِلَادَتُهُ بَيْنَ إِشَارَاتِ القُدْرَةِ الإِلَهِيَّة
- زَمَنًا : فِي عَامِ الْفِيل، الَّذِي أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ عِزَّتَهُ بِحِفْظِ الْكَعْبَة
- مَكَانًا : فِي مَكَّةَ، مَنْبَتِ الْعَرَبِ وَمَرْكَزِ التَّوْحِيد
- نَسَبًا : فِي ذُرِّيَّةٍ طَاهِرَةٍ حَفِظَهَا اللَّهُ مِنْ قَبْلُ بِفِدَاءِ عَبْدِ اللَّه
- اسْمًا : مُحَمَّدٌ، الَّذِي سَيُحْمَدُ بِهِ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَ هُدَاه
فَكَانَتْ هَذِهِ الوِلَادَةُ خَتْمًا لِمَسَارٍ إِلَهِيٍّ مُعَدٍّ بِإِحْكَام، وَإِشْهَارًا بِأَنَّ الْبَشَرِيَّةَ عَلَى وَشَكِ اسْتِقْبَالِ نُورٍ يُنَقِّيهَا مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَاهِلِيَّة
اليُتْمُ وَبِدَايَةُ الرِّعَايَةِ الإِلَهِيَّة
حِينَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهَبٍ وَهُوَ فِي السَّادِسَةِ مِنْ عُمْرِه، دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مَرْحَلَةَ الْيُتْمِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ فَقَدَ أَبَاهُ قَبْلَ وِلَادَتِه. لَكِنَّ هَذَا الْيُتْمَ لَمْ يَكُنْ ضَربَةَ قَدَرٍ عَشْوَاء، بَلْ كَانَ تَمْهِيدًا إِلَهِيًّا لِصَقْلِ رُوحِهِ وَإِعْدَادِهِ لِحَمْلِ الرِّسَالَةِ الْعُظْمَى. تَوَلَّى رِعَايَتَهُ أَوَّلًا جَدُّهُ عَبْدُ المُطَّلِب، زَعِيمُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُ مَكَّةَ، الَّذِي أَحَاطَهُ بِعِنَايَةٍ فَائِقَةٍ وَاعْتَبَرَهُ وَحِيدَ أَمَلِهِ فِي إِعَادَةِ مَجْدِ إِبْرَاهِيم. وَعِنْدَمَا تُوُفِّيَ عَبْدُ المُطَّلِب، انْتَقَلَتْ كِفَالَتُهُ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِب، الَّذِي وَاظَبَ عَلَى حِمَايَتِهِ وَرِعَايَتِهِ رَغْمَ ضُحُولَةِ حَالِهِ المَادِّيَّة
وَفِي هَذِهِ الفَتْرَة، بَدَأَتْ مَلَامِحُ الرِّعَايَةِ الإِلَهِيَّةِ تَتَجَلَّى فِي صُنْعِ شَخْصِيَّتِه؛ فَقَدْ نَشَأَ مُتَمَيِّزًا بِالسَّمَاحَةِ وَالصِّدْقِ وَالْوَقَارِ، خَالِصًا مِنْ شَوَائِبِ الْجَاهِلِيَّة، كَأَنَّ الْعِنَايَةَ الرَّبَّانِيَّةَ تَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهُ خَلْفَ السِّتْر. وَقَدْ أَشَارَتْ سُورَةُ الضُّحَى إِلَى هَذِهِ المَرْحَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ
فَكَلِمَةُ فَآوَى، لَيْسَتْ مُجَرَّدَ إِيْوَاءٍ مَادِّي، بَلْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُؤْوِي الْحَقِيقِي، الَّذِي رَبَّاهُ بِقُدْرَتِهِ، وَحَفِظَ فِطْرَتَهُ مِنَ انْحِرَافَاتِ الْقَبِيلَةِ وَالْمُجْتَمَع
لِذَلِكَ، كَانَ الْيُتْمُ مِفْتَاحًا لِتَعْبِيدِ طَرِيقِ النُّبُوَّة؛ فَقَدْ جَعَلَتْهُ الْفَقْدَاتُ المُتَتَالِيَةُ يَتَّكِلُ عَلَى رَبِّهِ فَقَطْ، وَيَسْتَقِي الْقِيَمَ وَالْمَبَادِئَ مِنْ مَنْبَعِهَا الصَّافِي : السَّمَاء. فَكَأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَزَلَهُ عَنْ تَأْثِيرَاتِ الْأَنْسَابِ الْبَشَرِيَّة؛ لِيَكُونَ رَسُولًا مُنْفَصِلًا عَنْ هَوَى الْقَبِيلَة، مُتَّصِلًا بِوَحيِ الْعَزِيزِ الْعَلِيم
الدُّرُوسُ والعِبَر
التَّهْيِئَةُ الرَّبَّانِيَّة : لَمْ تَكُنِ الأَحْدَاثُ التَّارِيخِيَّةُ مِثْلَ حِفْظِ نَسْلِ النُّبُوَّةِ وَوَقَائِعِ عَامِ الفِيلِ إِلَّا خُطُواتٍ مُحْكَمَةً فِي خُطَّةِ اللَّهِ لِإِعْدَادِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم لِحَمْلِ أَعْظَمِ رِسَالَةٍ إِلَى البَشَرِيَّة، فَكُلُّ تَفْصِيلٍ كَانَ لَبِنَةً فِي بِنَاءِ شَخْصِيَّتِهِ الرُّوحِيَّة
سِرُّ اليُتْمِ وَالسَّمَاءُ المُعَلِّمَة : أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُظْهِرَ أَنَّ القَائِدَ الرُّوحِيَّ لَا يَصْعَدُ إِلَى العَرْشِ بِمَجْدِ الأَسْرَارِ الدُّنْيَوِيَّة، بَلْ بِصِنَاعَةٍ إِلَهِيَّةٍ تَنْحَتُ قَلْبَهُ وَتُعَلِّمُهُ الوَحْيَ قَبْلَ أَنْ يَتَنَزَّل! فَكَمَا صَقَلَ اليُتْمُ قَلْبَهُ بِالحَنِينِ إِلَى الرَّحْمَان، صَانَتْهُ العِنَايَةُ عَنْ دَنَسِ الجَاهِلِيَّة
خَطُّ النُّبُوَّةِ الوَاحِد : لَمْ تَكُنْ بِشَارَاتُ الكُتُبِ السَّابِقَةِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَّا تَأْكِيدًا عَلَى أَنَّ الإِسْلَامَ لَيْسَ دِينًا جَدِيدًا، بَلْ هُوَ الذِّرْوَةُ الَّتِي تَكَامَلَتْ فِيهَا شَرَائِعُ التَّوْحِيدِ كُلُّهَا، مُحَافِظًا عَلَى نَقَاءِ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
خِتامًا
كَانَ مِيلَادُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم نُورًا مُتَجَسِّدًا انْشَقَّتْ بِهِ ظُلُمَاتُ الجَاهِلِيَّةِ، فَبَدَأَتْ مَعَهُ حِقْبَةٌ لَمْ تَعُدِ البَشَرِيَّةُ بَعْدَهَا كَمَا كَانَتْ؛ حَيْثُ تَحَوَّلَ العَالَمُ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ إِلَى تَعْظِيمِ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ، وَمِنَ التَّفَرُّقِ إِلَى وَحْدَةٍ تَسْتَظِلُّ بِشَرِيعَةٍ خَالِدَة. فَكَمَا أَنَّ النُّجُومَ تَهْدِي السَّالِكِينَ فِي اللَّيْلِ الحَالِك، كَانَ مَجِيءُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم هِدَايَةً لِلسَّائِرِينَ إِلَى حَضْرَةِ الرَّحْمَان
تعليقات
إرسال تعليق